أضغط هنا لفتح نافذة جديدة تعرض جميع صفحات الكناب بصيغة الفلاش
مقدمة:
الحمد لله المحصي الذي أحصى كل شيء عددا، وأنعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، القائل في محكم التنزيل ﴿ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدً﴾ [ ا الجن الآية ٢٨] والقائل ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [ إبراهيم الآية ٣٤]. وأصلي وأسلم على النبي المصطفى سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
نهض العلماء على مختلف مشاربهم وتخصصاتهم بدراسة القرآن الكريم – كتاب الله المقروء – معجزة الإسلام الخالدة والمتجدد العطاء في كل عصر وزمان وجامع علوم الأولين والآخرين، فنجد منهم من تناوله من حيثُ قراءاتُه ومعرفة مخارج حروفه ومنهم من درسه من حيث البناءُ والإعراب وآخرون من حيث دلالة ألفاضه أو دلالاته النفسية أو حلاله وحرامه وغير ذلك، إلا أن المشتغلين بالعلوم المختلفة تعمقوا حتى قيل إن القرآن ما ترك علماً إلا تطرق إليه بصورة مباشرة أو غير مباشرة ،وما علم الإحصاء إلا إحدى تلك المجالات العلمية التي تناولها وأشار إليها القرآن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وحاول استنباطه بعض العلماء، فهو من المجالات التي تلعب دور أساسياً في حياتنا اليومية بدءً من العد الأولي للأشياء إلى رسم السياسات واتخاذ القرارات لأنه يعتمد على تقديرات كمية لا يسمح فيها للأهواء والأمزجة بالتدخل والتحكم في النتائج، وكذلك ما تمتاز به لغة الأرقام من وضوح في المعنى ودقة في الوصف مما جعلها أكثر وقعاً في النفوس وأصدق في التعبير .
والمتتبع لحركة البحث العلمي في المجال الإعجازي للقرآن الكريم ولاسيما في الجانب الإحصائي والعددي بالذات، يجد أنها أحدثت ردة فعل وبوناً شاسعاً بين الباحثين في هذا المجال، فمنهم من يرى أن في هذا الجانب فتحاً جديداً وتجديداً في طرق الدعوة إلى الله، وبهذا يفسر الآيات ويسقطها على الأحداث بمرونة كبيرة قد تصل إلى حد التسرع وعدم التروي والاهتمام بمصطلح المعجزة وقضية ثبات الحقائق العلمية، وصنف آخر من الباحثين يحجم حتى عن محاولة الربط بين تفسير القرآن والإعجاز العلمي تخوفاً من تغير الحقائق العلمية وانعكاس ذلك سلباً على النظرة للقرآن الكريم، ويرى أن التفسير في هذا الاتجاه خروج بالقرآن عن هدفه وإقحامه في مجال متروك للعقل البشري فيه التجريب والصواب والخطأ، وبهذا يعطل هذا الصنف جانباً من الإعجاز العلمي ألا وهو لغة الأرقام لغة التخاطب العالمي التي يفهمها الجميع بغض النظر عن جنسه ولغته، والتي تتميز كذلك بالدقة في التقدير وبعدها عن التحيز والرغبات والأهواء الشخصية.
وبالرغم من بعض التجارب السابقة السالبة في المجال الإحصائي وخاصةً منه العددي، إلا أن هذا لا يمنع من قَبول النتائج الصحيحة، وحول هذا فقد ذكر الأمين العام لهيئة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله المصلح في منتدى ( الرسالة ) بتاريخ 21/ 8 / 1424هـ أن الإعجاز العددي ” أخذ أبعاداً لم تخل من المبالغة لأن الاحتمال كان يطرق إلى بعض ما ساقوه من براهين كما أن الضبط لمسيرة ذلك التفكير كان ضعيفاً والدقة في التدليل كانت في بعض الأحيان مرتجلة نظراً لغلبة العاطفة للانبهار الحاصل من بعض النتائج المذهلة فعلاً بعد حسابات ومقارنات وتنظيم جداول وإجراء عمليات رياضية مشكورة ، ولكن المبالغة التي شابت بعض تلك الخطوات هي التي أفرزت ما رصد من تجاوزات بل وشطحات في هذا المضمار وافتئات على كلام الله تعالى مما نرى شاهداً له ادعاءات المدعو رشاد خليفة وشطحاته الآثمة. وأن هذا المسلك المنحرف لا يمنعنا من قَبول النتائج الصحيحة التي توصل لها كثير من الباحثين الصادقين والتي تدل على إحكام سور وآيات وكلمات بل حروف كتاب الله عز وجل، من موافقات عددية لها دلالات معينة، وعلاقات واضحة بين متناظرات من ألفاظ الكتاب العزيز ، وساق الدكتور المصلح العديد من الأمثلة في هذا المجال، وأوضح أن ذلك وغيره مما أحصاه الباحثون يدل على تقدير الحكيم العليم الذي أنزل هذا الكتاب الكريم، كما دعا المصلح المنصفين إلي مزيد من التأمل الذي يفضي بهم إلى اليقين بربانية هذا القرآن وصدق الذي بلغنا إياه وهو الرسول الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ” .
وما هذا الكتاب إلا محاولة نرمي من خلالها إلى كشف بعض جوانب البناء المعجز للقرآن الكريم، وتصنيف النَتاج البحثي في الجانب الإحصائي للقرآن الكريم بطريقة علمية، والدعوة إلى الله بلغة الأرقام لغة التخاطب العالمي، وذلك من خلال السير مع الفكر الوسطي الذي يرى الاستفادة من التطبيقات الإحصائية في القرآن الكريم سواء كانت عددية أم حسابية أم إحصائية ولكن وَفق ضوابط ومعايير، حاولنا جاهدين استخلاصها في مبحثنا الأول ، والتي سنعتمد عليها بمشيئة الله في مبحثنا الثاني لتصنيف النتاج البحثي الذي توصل إليه العلماء والباحثين في المجال الإحصائي للقرآن الكريم، وذلك من خلال تصنيف المعلومة أولاً في الهرم العلمي ( فرضية ، نظرية ، حقيقة ) لنتمكن من تصنيفها في الهرم الإعجازي ( تناسق واتساق، تفسير علمي بالرأي بدون جزم” اجتهاد”، إعجاز ).
والأدبيات والنتائج البحثية التي تم عرضها في ثنايا الكتاب تعبر عن فكر أصحابها، أما ما نراه فقد عبرنا عنه من خلال تصنيفها في المعيار وما أوردناه من تفسيرات ومبررات لهذا التصنيف وكذلك ما ذكرناه تحت عنوان صفوة القول.
نأمل أن يحقق هذا الكتاب أهدافه ويضيف لبنات تفسيرية لبعض جوانب المعجزة الخالدة ( القرآن الكريم ) كما نأمل أن يكون حلْقة وافية من حلَقات التأصيل المتخصص لعلم الإحصاء في القرآن الكريم، وأن يكون المعيار المنجز في مبحثه الأول خيرَ معين للمهتمين بالإعجاز العلمي لتصنيف نتاجهم البحثي بطريقة علمية.
وأخيرا أدعو العلي القدير أن يبارك هذا الجهدَ وينفع به ويكتب له القَبول ويجعله في موازين حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، نسأل الله أن يتجاوز عنا والحمد لله رب العالمين فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
أضغط هنا لفتح نافذة جديدة تعرض جميع صفحات الكناب بصيغة الفلاش