فلسفة امبريقوس الشكية دراسة تحليلية ونقدية

اسم الباحث:  حسين  علي ناصر النقيب
غرض البحث: دكتوراه
جهة البحث:  جامعة بغداد

ملخص البحث:  
الشك هو نقيض اليقين ، و هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر بحيث يتوقف الشاك عن الحكم و ذلك لوجود أمارات متساوية في النقيضين أو لعدم وجود أمارة فيها ، و ذلك بعد الفحص العقلي الدقيق للنقيضين ، و هذا هو الشك الفلسفي وهو عكس الشك الاعتيادي الذي يتبادر إلى ذهن ما نتيجة جهلة بظروف الموضوع و جوانبه أو العجز عن التحليل و البحث في الموضوع . كما أن هناك شكا من نوع آخر هو الشك المنهجي فضلا عن الفلسفي أو المذهبي و صيغة الشك المذهبي تعد العقل الإنساني عاجزا تماما عن الوصول إلى أي علم أو أية معرفة بينما صيغة الشك المنهجي يزاولها الباحث أو الفيلسوف في أول طريق البحث ليبعد الآراء المسبقة أو المبتسرة من طريقة و ليصبح بعد ذلك بحثه عن الحقيقة بحثا موضوعيا خاليا من كل المؤثرات الذاتية .
إن الشك اليوناني عدا تهكم سقراط اشتهر بكونه شكا مذهبيا لا يرمي إلا إلى تأجيل الحكم و الذي هو مقدمة ضرورية لحالة السكون التي ينشدها الفيلسوف الشاك أما الشك المنهجي فله في تاريخ الفلسفة أمثلة واضحة ، فتهكم سقراط كان شكا منهجيا على وفقه يتم تحرير عقول محاوريه من المعارف المسبقة و شك الغزالي كان منهجيا و هو الذي أوصله إلى يقين انكشاف المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب و لا يقارنه إمكان الغلط أو الوهم كما أن ديكارت توصل إلى الحقيقة بعد شك كبير في كل المعارف الحسية و العقلية . لقد وصل ديكارت بشكه إلى يقين الكوجيتو الذي يثبت وجود الأنا المفكر ثم إلى إثبات وجود الله الذي يضمن صحة الأفكار الواضحة المميزة ووجود الأشياء الخارجية .
لم يأتي الشك اليوناني من فراغ فله جذوره في الفلسفة اليونانية ذاتها فهذا اكزينوفان (570-475ق.م) لا يأخذ على نفسه عهدا بالوصول إلى الوضوح الكامل بشأن كل شىء و إنما هو يقتنع بإدراك آراء تقارب الحقيقة منكرا وجود حقيقة موضوعية . و هؤلاء السفسطائيون ينكرون الحقيقة الموضوعية مثبتين الحقيقة النسبية ، و قد وصل جورجياس إلى تعاليم سلبية حيال الوجود و المعرفة و أنكر صغار السقراطيين إمكان قيام العلم .
و لقد فتحت المدرسة الشكلية اليونانية على يد بيرون (365-270ق. م) الذي أجل الحكم حيال كل شئ و لم يقر سوى الاعتراف التي اتخذ منها وسيلة توجيه له في حياته . و تابع تلامذة بيرون خطى المعلم فأكملوا المنهج و المذهب و دعموه بالحجج الشكلية المشهورة بدواعي الشك ، و تابعت المدرسة البيرونية وجودها حتى أوائل القرن الثالث الميلادي و من أشهر أعلامها تيمون و انسيداموس و اجربا و سكستوس امبريقوس الفيلسوف الذي كتبنا عنه هذه الرسالة . و الجدير بالتنويه أن آراء المدرسة البيرونية لم تختلف عند أي من فلاسفتها المتتابعين و يوازي الشك الأكاديمي الجديد شك المدرسة إذ أنه يتميز عن الشك البيروني آراء العديد من المواقف الشكية بدء في التردد في تأجيل الحكم عند ارسيسلاوس و انتهاء بمبدأ ترجيح الاحتمال عند كارنيادس و هو صورة من صور اليقينية تردى إليها الشك الأكاديمي الجديد .
يعد سكستوس امبريقوس أحد أعلام الشك اليوناني و جامعا لحججه و مؤرخا له ، عاش في النصف الثاني من القرن الثاني و الربع الأول من القرن الثالث الميلادي ، و يعرف الشك بأنه القدرة أو القابلية الذهنية و التي تعارض الحكم على الظواهر بأي حال من الأحوال ، و التي ينتج منها بسبب تعادل الأشياء و الأسباب حالة التأجيل الذهني ثم حالة السكون و الطمأنينة .
و يرى سكستوس أن الشاك لا يملك أية حقائق إيجابية ملزمة و إنما يتبع مظاهر الأشياء كما هي متوافقا في معيشته مع الأعراف و العادات و قوانين المجتمع دون أن يتناولها بالفحص و البحث . أن الشكلية لدى سكستوس تعني الاستقصاء و أن الشاك يعني الباحث و أن الشكاك أطلقوا هذا الاسم على أنفسهم لأنه خلاصة موقفهم هو البحث و البحث المتواصل و ما تأجيل الحكم إلا علامة في الطريق البحثي الذي لا ينتهي إلى موقف محدد . فالشاك يقول أنني لا أعرف في هذه اللحظة إلا أنني أحاول الاكتشاف لهذا . فالشاك يخاف من الخطاء و لا يدعي أن مسألة الحقيقة أمر لا يمكن الوصول إليه . إلا أننا يجب أن نؤكد أن تأجيل الحكم أمر مستحيل من جهة خلق قناعات معيشية حياتية لهذا يقع سكستوس في خطأ بينما هو يعزز نقطة منهجية هنا تؤكد تأجيل الحكم و مواصلة البحث و الخوف من الخطأ و البحث الذي لا ينتهي عن الحقيقة نجده يصل إلى نتائج نسبية حينما يطبق المنهج الشكي و الحجج الشكية على نواحي المذهب الفلسفي من الهيات و معرفة و طبيعة و أخلاق . و من المعروف أن النتائج النسبية هي تأكيدات يقينية حتى و أن كانت ذاتية .
و نؤكد أثر سكستوس بوصفة مؤرخا للفلسفة إذ أن كتبه التي وصلت إلينا حفظت لنا الكثير من الآراء الفلسفية لفلاسفة ضاعت نتاجاتهم الفكرية و لم تصل إلينا . فحسب طريقة كتابة سكستوس يورد الآراء المختلفة لكي يصل إلى عدم ترجيح أي منها و يؤجل الحكم . و ما يترتب على تأجيل الحكم من طمأنينة نفسية تتبعه إذا كان الأمر يخص مباحث الفلسفة المختلفة أو هو كشاك لا يكترث لأي موقف حياتي مقلق سواء كان خيرا أم شرا .
و ما يمكن استخلاصه من المنهج الشكي عند امبريقوس بأنه صعب التحقيق بل لا يمكن مواصلة البحث إلى مالا نهاية و نستنج أن امبريقوس يضع الغاية العملية للشك قبل الغاية النظرية ، إذ أن تأجيل الحكم و ما ينتج عنه من حالة سكون و طمأنينة نفسية هو المسيطر . بينما البحث عن الحقيقة تعطله هذه الغاية العملية ، كما أن تأجيل الحكم لا يوصل إلى الراحة النفسية بل الوصول إلى يقين هو الذي يؤدي إلى الراحة .
و الاستنتاج الثالث هو وصول امبريقوس بعد استعراض الكثير من الحجج إلى نسبية في الحكم و ليس تأجيل الحكم و رغم أن امبريقوس يساوي بين تأجيل الحكم و نسبية الآراء إلا أننا نقول أن الوصول إلى نسبية في الحكم هو نوع التأكيد و اليقين و ليس بشك .
و حينما ناقش امبريقوس الحجج النافية و الحجج المؤكدة لوجود الإله أنطلق في هذه الحجج من منطلقات مختلفة ، فبينما حجج وجود الإله تنطلق من كون الإله واحد نجد الحجج المبطلة تنطلق من وجود آلهة متعددة . فضلا عن كون هذه الحجج ضعيفة مما يحيلنا إلى الاستنتاج الرابع و هو أن أغلبية الحجج التي يأتي بها امبريقوس ضعيفة و قد عقبنا عليها في حينها .
أما بشأن وجود معيار المعرفة فإن سكستوس ينفيه في مراحله الثلاث بداء من الإنسان و مرورا بالأداة و انتهاء بالتمثل على الرغم من كون المنهج الشكي يعتمد على إثبات الوجود و اللاوجود في آن واحد ثم يؤجل الحكم ، فنجد امبريقوس لا يفعل ذلك و إنما يتجه إلى النفي السلبي للمعيار محاكيا بذلك السوفسطائيين الذين يرفض منهجهم .
و استنتاج آخر يقول أن القاعدة المعيشية التي يتبعها الشاك حسب سكستوس هي قاعدة من الصعب العمل بها ، فالاكتفاء بالمظاهر الحسية دون اعتقاد عقلي لا يعطي قاعدة للفعل ، كما أن الاعترافس و التقاليد يمكن أيضا أن تخضع للفحص العقلي و هو قد انزلق في ذلك حينما أجل الحكم بشأنها عندما ناقش الحجة العاشرة من الحجج المعرفية الشكية العشر .
 

البحث: غير منشور
تاريخ البحث:  2000
تعليقات: 
التواصل:  الدراسة متاحة بمكتبة المركز الوطني اليمني
ملاحظات:

شاهد أيضاً

التقاعد المبكر حجمه ـ وأسبابه ـ والاتجاهات نحوه (دراسة مسحية لشاغلي الوظائف التعليمية بمدارس العاصمة المقدسة)

إعداد : إدارة التطوير التربوي:(قسم البحوث التربوية)إشراف : الإدارة العامة للتربية والتعليم بالعاصمة المقدسة ملخص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *